مقومات التكامل العربي

 

في سنة 1953 كانت أول اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري بين الدول العربية، ثمّ توالت بعد ذلك الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول العربية الداعية لفتح الأسواق، وحرية التبادل والتنقل والعمل. وهذه التسهيلات التجارية تساهم في تحقيق التكامل العربي الذي يستطيع جعل الوطن العربي قوة اقتصادية وسياسية تتمتع باكتفاء ذاتي على كافّة الصُعد.

فماذا نعني بالتكامل العربي؟ وما هي أبرز مقومات هذا التكامل؟

يُقصد بالتكامل العربي هو عملية استفادة كلّ الدول العربيّة من امكانياتها وقدراتها بشكل تبادلي، بحيث تّتمّم الدول العربية بعضها البعض، وهذا من شأنه تحقيق المصالح المشتركة فيما بينها، وجعلها قوة اقتصادية كبيرة لها وزنها على الساحة العالمية.

من أبرز مقومات التكامل العربي:


1-   أراضي زراعية واسعة في بعض الدول العربية مع توفر ثروة مائية هامّة في بعض الدول يمكن الاستفادة منها في تأمين الغذاء لكافة سكان الوطن العربي.

 

2-   الموارد الطبيعية: سواء موارد منجمية أو نفطية والتي يمكن الاستفادة منها كمواد أولية في المصانع، والتي تُسمح بتنوع الانتاج، أو حتى عبر تصديرها والاستفادة من عائداتها المالية لتحقيق تقدم اقتصادي وتنمية اقتصادية عربية.

 

3-   الموقع: يتوسط قارات العالم القديم ويطل على معظم البحار والمحيطات، ويشرف على ممرات مائية هامة ما يعطي العالم العربي أهمية تجارية كبيرة لا سيما وأنّ هذه الممرات هي بوابة نقل النفط إلى العالم.

 

4-   الموارد البشرية: حيث يزيد عدد سكان العالم العربي على 377 مليون نسمة غالبيتهم من الفئة الفتية والشابة (28% هم أقل من 24 سنة)، وبالتالي يُمكن تأمين الأيدي العاملة اللازمة لأي مشاريع استثمارية.

 

5-   رؤوس أموال ضخمة: تأتي اجمالاً من العائدات النفطية، فاجمالي الناتج المحلي العربي يُقارب 2.8 تريليون دولار سنة 2020، وطبعاً هذه الأموال الضخمة يُمكن الاستفادة منها في تحقيق تنمية اقتصادية عربية شاملة إذا أُحسن استغلالها.

 

6-   سوق كبيرة: تمتد أراضي العالم العربي على مساحة تزيد على 14.2 مليون متر مربع، وذلك من المحيط إلى الخليج، وهذا يؤمن سهولة تصريف الانتاج.

 

الخلاصة هناك دول تمتلك موارد، دول تمتلك يد عاملة، دول تمتلك رؤوس أموال، دول تمتلك أراضي زراعية، دول تمتلك مياه، ... وما يجمع بين هذه الدول هو اللسان العربي والثقافة العربية وعسى أن يكون التكامل فيما بينهم.  إنما مضت السنوات، وتعدّدت الاتفاقيات دون أن ينجح العرب في تحقيق حلمهم الكبير بالوحدة ولو اقتصادياً، فما هي المعوقات حيال ذلك؟


الفقر الغذائي وأغلى طبق في العالم؟

 يُنتج العالم سنوياً ما يُقارب من أربعة مليار طن متري من الغذاء، وهي بالمبدأ تكفي جميع سكان العالم الذين يفوق عددهم 7.8 مليار نسمة. لكن الذي يحصل هو العكس، يتمّ فقدان أكثر من 30 % من محصول الغذاء هدراً أو ضياعاً أو رمياً، وهذا ما يُكلّف الاقتصاد العالمي تريليون دولار سنويّاً،  والنتيجة التي نحصل عليها: معاناة حوالي 820 مليون إنسان من الجوع.

تتركّز المجاعات في دول الجنوب مثل اليمن، جنوب السودان، الصومال،... ومن المتوقع أنّ تستمرّ الأعداد في الازدياد، لا سيّما وأنّ وباء كورونا قد غيّر خريطة الجوع في العالم، لانضمام مناطق جديدة وسكان جدد لفئة الذين يُعانون من ظاهرة الفقر الغذائي.

تُعرّف ظاهرة الفقر الغذائي، بأنّها تدنّي حصّة الفرد من السعرات الحرارية، وصعوبة السكان في تأمين الحدّ الأدنى من الغذاء المتوازن والصحّي. ولا ريب بأن البطالة هي المانع الأساسي في إيجاد المال اللازم للغذاء، إنّما ما هي أبرز أسباب ظاهرة الفقر الغذائي في عالم الجنوب؟

-         النزاعات: تُعاني العديد من دول الجنوب من الحروب والمشاكل الأمنية التي تُصعّب من زراعة الأراضي، وتُهجّر الأهالي من أراضيهم، كما تجعل تلك النزاعات من عملية إيصال المواد الغذائيّة والمساعدات لتلك البلدان مسألة في غاية الخطورة.

-         الكوارث الطبيعية: تكون البنى التحتية مُهترئة في الكثير من دول الجنوب، بل هي غائبة في بعض الدول، وهذا ما يجعلها عرضة للتأثّر الكبير بالفيضانات أو الزلازل وسائرالكوارث الطبيعية والتي تّهدّد المساحات الزراعية والمحاصيل الغذائية.




-         إهمال الأراضي الزراعية: على الرغم من أهمية الأراضي الزراعية في تأمين الغذاء للسكان، إلى أنّ كثرة المشاكل الزراعية، وقلّة الربح، وضعف الخدمات في الأرياف أدّت إلى ارتفاع أعداد النازحين نحو المدن، وهو ما أدى لإهمال تلك الأراضي الزراعيّة وبالتالي تراجع الانتاج. أمّا من بقي من السكان في الأرياف فهو إمّا يعتمد زراعة معيشية غير كافية، وإمّا يُركّز على المحاصيل التجارية الهادفة للربح كالتبغ مثلاً.


-         ارتفاع معدل النمو الطبيعي للسكان: تزداد أعداد السكان بوتيرة تفوق ازدياد الانتاج الزراعي، وهذا ما يُرتب  المزيد من الأعباء على الدول لناحية تأمين الغذاء للسكان، فتعمل على استيراده، وهذا ما يزيد من كلفته، فيُصبح الحصول عليه صعباً لدى فئة كثير من السكان الذين يرزحون تحت خطّ الفقر أساسا.

-         ضعف تعليم المرأة: تنتشر في العديد من المجتمعات بدول الجنوب ذهنية رافضة لتعليم المرأة، فهي تعتمد على الرجل في تأمين قوتها، إنّما وبسبب انتشار الحروب في هذه الدول، تفقد الإناث الكثير من الرجال من عائلتهن، ما يجعل المرأة عاجزة عن تأمين قوتها ويصعب عليها الانخراط في العمل، لذلك فإنّ الفئة الغالبة في هذه المعاناة هي الإناث وصغار السن.

 

يعتبر تقرير لبرنامج الأغذية العالمي "ثمن طبق طعام في 2020" أنّ اللبناني بات يُنفق على طبقه أساسي ما يُعادل 7.19 دولار من دخله اليومي، بينما تبلغ قيمة الطبق الأساسي للفرد في نيويورك 1.26 دولار (مع العلم أنّ نيويورك تأتي في المرتبة الثامنة عالميّاً في قائمة المدن الأغلى في المعيشة)!!  بينما يُعتبر طبق الطعام الأغلى في العالم هو في جنوب السودان حيث سيتكلّف ذلك الذي يعيش في نيويورك قيمة 393 دولار ليحصل على نفس طبقه السابق.

 أخيراً، تترك ظاهرة الفقر الغذائي الكثير من النتائج المأساوية، من ارتفاعٍ في أعداد الوفيات، وانتشار الأمراض المزمنة، ... ومن السهل أنّ تكون متفائلاً لتقول بأنّ التوقف عن رمي الطعام يحلّ المشكلة؟ إنّما هل هذا صحيح أمّ أنّ هناك حلولاً أخرى برأيك؟

هل دخلت الأرض عصراً جليديّاً مصغّراً؟!

للإجابة على هذا السؤال دعونا نُحاول الاجابة على أسئلة متعلّقة بالموضوع:

1- بداية ماذا نعني بمصطلح العصر الجليدي المصغّر؟

تُطلق الكلمة على فترة زمنية تنخفض فيها الحرارة في قسمٍ واسعٍ من الأرض، بحيث تزداد أماكن انتشار الثلوج والجليد.


2- ما هي أسباب حدوث العصر الجليدي المصغّر؟

السبب الرئيسي لانخفاض الحرارة في العصر الجليدي يتعلّق بخمول النشاط الشمسي، وهناك أسبابٌ أُخرى منها مثلاً: ازدياد ثوران البراكين التي تمنع سُحبها من وصول أشعة الشمس للأرض في بعض المناطق، هناك أيضاً التغيرات في التيارات المائيّة في المحيطات،...


3- متى حدث عصرٌ جليدي مصغراً لآخر مرة؟

ليس هناك من اتفاق واضحٍ حول الفترة الزمنيّة، انّما يُرجح أنّ تكون الفترة بين عامي ١٦٥٠-١٧١٥ هي عصراً جليديّاً مُصغّراً ساد في النصف الشمالي على الأرض، حين انخفضت درجات الحرارة بشكل ملحوظ فوق مناطق واسعة، وسبب عدم الاتفاق يعود إلى أنّ انخفاض الحرارة غالباً لا يكون متماثلاً ومتساويّاً ومتزامناً فوق كلّ مناطق الأرض. 


4- ما هي نتائج العصر الجليديّ المُصغّر؟

يترافق الانخفاض الكبير في درجات الحرارة وسيطرة الجليد في مناطق محدّدة إلى ازدياد الجفاف، يتبعها قلّة في الغذاء في العادة، كما قد تنتشر مجاعة ويقوم السكان بهجرة جماعية ليستقروا في مناطق جديدة.


5- نعود الآن للسؤال، هل دخلت الأرض عصراً جليديّاً مصغّراً؟!

نعيش حالياً في فترة تدنٍ في النشاط شمسيّ والذي يُتوقّع أنّ يستمر ل ١١ سنة، واذا شاهدنا الخريطة المرفقة سنجد انخفاضاً متزامناً للحرارة فوق مناطق واسعة على الأرض وانتشاراً للثلوج والجليد فوق عدّة مناطق بسبب تأثيرات الموجة القطبيّة الأخيرة. إنّما ورغم انتشار التحليلات والمقابلات والمقالات والتوقعات التي تُعلن بدء العصر الجليدي المُصغّر، فإنّنا إذا راجعنا الخريطة المناخيّة سنلاحظ أن الأماكن التي تنخفض فيها درجة الحرارة حاليّاً هي التي تتسم بخاصيّة مناخيّة أساسيّة: "تدنٍ في درجات الحرارة شتاء"...  -بغض النظر عن وجود بعضها ضمن نطاق المناخ المعتدل-

متوسط درجات الحرارة مساء الأربعاء - 20-1-2021

وفي الحقيقة نحن لا نعرف ما هي المدّة المتوقّعة لبقاء الجليد في هذه المناطق، ولا خريطة زحفه سنويّاً نحو مناطق جديدة، ولا يُمكن التكهّن بضمان تكرار هذه البرودة سنويّاً فوق نفس المنطقة،... إضافة إلى أنّنا حين نتكلم عن المناخ فينبغي علينا الانتظار لسنوات حتى يتمّ حسم المسألة، فكيف ونحن لا نعلم أيضاً ما هي العوامل التي قد تطرأ على الأرض. 


أخيراً ما يُمكنني قوله، هو أنّ هناك مؤشرات تُلاحظ لحدوث تغيرات على سطح الأرض، إنّما دعونا نتريث ونقول أنّها فترة باردة تمرُّ على الأرض حالياً، لذلك لا يُمكنني سوى اعادة طرح السؤال الصعب:

هل دخلت الأرض عصراً جليديّاً مصغّراً؟!

أحمد هاجر - ٢١-١-٢٠٢١