ذكرى صورة




منذ سنواتٍ طوال، حين لم يكن لمواقع التواصل الاجتماعي وجود، ولم يكن بالتالي لدى أساتذتنا حسابات ينشرون عليها صورهم الجميلة، وحين كُنّا طلاباً صغاراً، كان سرورنا عظيماً إذا صادفنا صورة لهم عن طريق الصدفة. ولا زلت أذكر أنّي احتفظت بصورة وجدتّها منشورة في إحدى المجلّات، وتعود للأستاذ حسني النعنعي -الذي جعلني أعشق مادّة الاقتصاد-، كذلك أعترف أنّه وعلى الرغم من التقاطي لعدّة صور شخصيّة مع أستاذي الكبير -عدنان خلوف رحمه الله- فقد كان السبب الأول لاقتنائي كتابه عن تراث الحارات الطرابلسيّة، هو رغبتي بالاحتفاظ بتلك الصورة المنشورة له في الكتاب، قبل أن أعشق تلك التفاصيل البديعة التي يحكيها في كنزه هذا.

دائماً ما يترافق تذكّري لتلك الصورتان التي احتفظت بهما، مع تذكّر طرفة جرت معي سنة 2008 مع طلّابٍ في الصف الرابع، إذ أتى إليّ طالبٌ وهو يحمل إحدى المجلّات، وكان يُشير إلى صورتي الموضوعة فوق مقال كتبته آنذاك.

- "أنظر هذا أنت!" -قائلاً لي بسرورٍ مُفرط-

- "آه، صحيح .. هذه هي الصورة" -يصيح طالبٌ آخر وهو يُخرج صورتي من محفظته المدرسيّة، وقد قصصها دون المقال-!!

- نعم، أنا أيضاً معي عدداً من صورك يا أستاذ -قفز طالبٌ إلى الطاولة التي أمامي، وهو يرمي أربع أو خمس صور يحتفظ بها-!!

للصراحة، أنّي لم أدرِ كيفيّة التصرّف حينها، فلقد بدت ابتسامة باهتة على وجنتي، قبل أن يعلو صوتي مطالباً بضرورة إزالة تلك الصور من أمامي لأرى دمعة تبدو في عينيّ أحدهم، لكنّي برّرت لنفسي أنّ الأهم هو ضبط الصف لا ذلك الأثر الذي قد أحدثه لدى الطالب.

ولا ريب أنّ السبب هو تلك المعلومات الجامعيّة التي تتحدّث عن ضرورة كبح هذه التصرفات باعتبارها إشارات فوضى صفيّة- كانت ما تزال تُثقل رأسي، قبل أن أعرف -مع الزمن- أنّ هذه التصرّفات ليست سوى إشارات حُبّ وتفاعل تدلّ على تقدير الأستاذ واحترامه -يُظهرها الطالب ويُعبّر عنها كما يعرف هو-، لذلك، ألوم نفسي الآن، إذ ألم أحتفظ أنا بصورٍ لأساتذة لي من قبل؟!

لا أدري لم تذكّرت هذه الطرفة عند رؤيتي تلك الصورة التي التقطتها المبدعة -فاطمة صائغ- عند زيارتي لمدرسة مي مدعوّاً لحضور حفل الاستقلال. وربّما يكون السبب هو تذكّري كم رفضت سابقاً طلب الطالبات بالتقاط صورة -ولا يعني ذلك أنّي أصبحت أقبل بسهولة بالتقاط ونشر الصور-.
وربما يكون السبب هو تذكّري أنّ تلك الصورة التي غضبت لتواجدها مع طالب الصف الرابع، قد عدت لرؤيتها -هي ذاتها- بعد أربع سنوات مع طالبة في الصفّ السابع، لكنّي حينها ضحكت قائلاً: "هذه الصورة قديمة، لقد تغيّر الزمن وبإمكانك البحث عن صور جديدة!"

دون أن أدري، أتسائل أيضاً وبشكل جدّيّ: "إذا كان الطالب يُسرّ بصورة مع الأستاذ، فهل يُسرّ الأستاذ بصورة مع الطالب؟!"

أحمد هاجر- 23-11-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق