كنت قد أخذت عهداً على نفسي أن أبقى في المنزل طيلة هذا اليوم، فهو يومٌ موعود، لطالما انتظرناه منذ أسابيع طويلة، حيث سيصار وأخيراً إلى تزفيت البولفار الذي اشتاق لزفتٍ يُدفّئه في هذا البرد القارس. إنّما وعند العاشرة صباحاً، اضطررت لمغادرة المنزل لعالجة مشكلة طارئة حتّمت عليّ الانخراط بين تلك السيارات المتكدّسة على الطريق. إنّه الازدحام السيء الصيت، لكنّه أيضاً جميل، فهو فرصة لتلتقي بالناس، وتراقب وجوه المارّة، كما أنّه كنزٌ من الحكايات التي نستطيع نسجها من الخيال.
نظراً لمللي من مراقبة الناس، رحت أتأمل واجهات المحال وأفنية المطاعم، وطاولات المقاهي. لم أفهم السبب الذي جعلهم يرفعون أعلام إسبانيا، لكنّ هالتني تلك اللافتات الضخمة: لوحة كبيرة على باب أحد المطاعم مكتوبٌ عليها: "برشلونة النادي الأفضل"، فيما فضّل جاره رفع علم لريال مدريد، أمّا على بُعد أمتار منهما فقد كتب أحد المقاهي شعار: "كرمالك يا ريال .. لنسهر الليال، ونعيط رونالدو .. يلا سجل غوال" وذيّلها بعبارة "هلا مدريد"، ولم يلبث أن رفع صوت المذياع على أغنية: "حبيبي مدريدي" فغار منه ذاك المطعم الواقع في الشارع الخلفيّ ليرفع الصوت على أغنية حسين الجاسمي:"حبيبي برشلوني .. يموت ببرشلونة".
سارت السيّارات أخيراً فمشوت مترحّماً على من مات في برشلونة أو مدريد، وأكملت سيري وقد تحمّست لمشاهدة الكلاسيكو هذا اليوم، وبينما كنت أمسك الهاتف لأتصل ببعض الزملاء علّهم يرافقوني إلى مقهى "هلاسيكو"، توقفت فجأة أمام شخص يستحق الاحترام في هذا اليوم، إنّه هذا العجوز الذي ترك علم فلسطين يُرفرف خلف درّاجته الهوائيّة.!!
أحمد هاجر- 23-13-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق