الحيرة في قضاء يوم عطلة


لازَمَتّنا الحيرة منذ الصباح الباكر حول المكان الذي علينا قصدَه، فمِن مُقترِحٍ للذهاب نحو البحر في هذا اليوم الحارّ، أو من اقترح الذهاب إلى عرض الدلافين الصباحيّ، أو التوجُّه لزيارة حديقة الحيوانات، إلى من تفضّلَ بإكمال طريقنا جنوباً نحو بيروت، وتناول طعام الغذاء في أحد المراكز التجاريّة الكبيرة التي نفتقد مثيلاتها حجماً وتنوّعاً في مدينتنا –رغم أنَّ عدداً لا بأس به من أغنيائها يُساهمُ في هذه المولات على الأرجح-.

لكنَّ جميع الاقتراحات لم تنل إعجاب غالبيّة أفراد العائلة، فتعاظم الجدل وبدأت النزاعات، وكنّا على وشك إكمال اليوم جالسين بين جدران المنزل.

- ما رأيكم في الصعود شمالاً، نحو المناطق الجبليّة؟! لقد سمعت أنّ هناك احتفالات كبيرة ستُقام اليوم في قرية ....!.

- آه فعلاً، كيف نسينا قرية إهدن، إنّ أجواء احتفالاتها تزيدها روعة، ومع نسمات هوائها المُنعش، فأظنّ أنّ الخيار ممتاز!– قاطعني يوسف بحماس-

- كلّا، ألا تعرف أنّ الوصول للقمر في يوم الأحد أهون من الوصول إلى إهدن؟! على كلٍّ أنا لم أقصدها أصلاً، بل قصدّتُ قرية ..!

- القبيّات صحيح؟! لا بُدَّ أنّك تنوي التوجّه لقرية القبيّات؟! -قاطعتني أختي-

- أوه .. لقد مضت سنة ونصف على آخر زيارة لها .. فعلاً يا له من خيار رائع!! -أكملت أختي الصغرى-

- صحيح أنّ لها رونقاً لا يُقاوم، لكنّ أظنّ أيضاً أنّ طريقها ستكون شديدة الازدحام، وخاصّة بوجود مهرجانات صيفيّة فيها، دعونا نُؤجّل زيارتنا هذه لوقت آخر.! -قلت لهما-

- إذاً .. أيّ مكان في الجبل تريد قصده؟!

- مهلاً .. ما لكم لا تدعوني أكمل كلامي؟!
-صرخت في وجه الجميع-، فبادر أخي الصغير للقول ببرودة أعصاب، أو بسخرية مُبطّنة:

- أنا أعرف عشقه للقموعة، لكنّ ألفت نظره أنّ مهرجاناتها الفعليّة ستُقام في الأسبوع المقبل، إلّا إذا يُخطّط لنا أن نُخيّم هناك من الآن!!

- يبدو أنّك تريد دغدغت حنيني للجمال، لكن بكلتا الأحوال أنا قصدت أجمل قرية في لبنان!! -قلت له بتفاخر-
فما كان منه إلّا أن علا صوته متفاجأ، أو مستنكراً:

- ماذا ... أجمل قرية !! والله إنّ طريق البقاع طويل، بالله عليك هلّا اخترت لنا قرية قريبة؟!

- يا فهيم .. من الذي قال لك أنّها في البقاع. لقد أردت لكم زيارة سير؟! ألم تنل منذ يومين لقب أفضل قرية في لبنان؟!

- اسمع، كلّ أسبوع، ودائماً تكون سير هي خيارنا الأفضل، لذلك دعونا نتوكلّ على الله، وننطلق دون أن نُضيّع وقتنا–قالت الوالدة-

- جيّد، ما رأيُكم بعد تناول الغذاء بزيارة وداعيّة للحاج عبد الله قبل سفره؟! -اقترح والدي-

لم تمضِ سوى ساعة، إلّا وكانت السيارة تسير مُسرعة، تقطع طريق طرابلس الضنية ومكابحها تعمل بتناغم مع دوّاسات البنزين علّنا نصلُ في أقرب وقت ممكن. لكن ما إن لاحت لنا قرية مرياطة حتى بَدَت ملامح الازدحام تُغلق فضاء آمالنا، لتذهب بزيارتنا اليوم مع أضغاث أحلامنا.!!
وللحقيقة، لم نعرف بعدها كيف استطعنا الدوران، واجتياز طريق العودة، إلى جدران منزلنا الأربعة.

قبيل وُصولنا لمشارف طرابلس، التقينا بالحاج عبد الله -وهو أحد أعيان قرية سير بالمناسبة-، فتوقفنا للسلام عليه، وبادرته بالسؤال:

- حج .. بالله عليك، ما سرّ هذا الازدحام اليوم، هل بدأتُم مهرجاناتكم السياحيّة؟!

- كلّا، يا ابني، لا مهرجانات لدينا، لكنّ هؤلاء يُريدون زيارة أفضل قرية في العالم.!!!

أحمد هاجر- 20-8-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق