ما إن عدت إلى منزلي بعد تلك الليلة الكئيبة، حتى فتحت الظرف المغلق الذي سلمني إياه كبير الضفادع قبل مغادرتي مستنقعهم، فإذ به دعوة لحضور المباراة النهائيّة في كرة السلّة بين المنتخب الضفدوعيّ والمنتخب الحلزونيّ.
رميّت الدعوة غير مهتمّ بها لأشغّل التلفاز، فوجدت كل المحطّات تتحدّث عن المباراة المرتقبة وتُحلّل ظروفها واصفةً إياها بمباراة الفرن! -نسبة لمكان إقامتها- في فُرنٍ مهجورٍ مرميّ في منتصف تلكالأرض الجرداء التي أتصبّح بمرآها كلّ يوم. رُحت أستمع إلى أحد المحلّلين الرياضيّين وتمجيده للمنتخب الحلزونيّ، واصفاً إيّاه بأنّه داهية هذه البطولة ومفاجأتها.
-علماً أنّ كلّ البطولات السابقة لم تجمع سوى الفريقين المتنافسين!!- ومع ذلك أجمع الكلّ على حتميّة خسارة هذا الفريق، نظراً لاستقدام المنتخب الضفدوعيّ أحد الأجانب ليدعمّ بها تشكيلته الحاليّة.
- نعم، هذا اللاعبُ سيُشكّل مفاجأة مدويّة في نهائيّ بطولة الحشرات!! -قال المحلّل شارحاً-
- حشراات!!! أين الحشرات؟! -قلت ساخراً على كلام هذا المحلّل الجهبذ الجاهل-
- عفواً حضرة السيّد، ومتى كانت الضفادع والحلزونات من طائفة الحشرات؟! -سأل المذيع وكأنه يسمعني-
- هاها .. أليست هذه البطولة من تنظيم الوكالة الحشريّة لكرة السلّة "حشيفا"؟! -برّر المحلّل قوله-
كأيّ إنسان صالحٍ يسمحُ للإعلام بغسل دماغه، فقد ازداد حماسي واتجهت في الموعد المرتقب نحو الفرن الصغير، لأجد أعيُنه التي كانت تُستخدم في الماضي لإشعال النار وقد تحوّلَت لمدرجات ضخمة اكتظّت بالمتفرجين من الضفادع، أمّا جماهير الحلزون فتجمّهروا على سيقان الأشجار والنباتات.
- نيق نيق .. ضفاديع، نيق نيق .. !!
راحت الحناجر تزلزلُ بأصواتها المكان، أمّا الحلزونات فاكتفت بالتلويح بالأعلام والرايات، دون أن تتمكّن من إصدار أيّ صوت -بما أنّها مُصابة بمرض الخرس الصوتيّ الذي انتشر حديثاً وكان مصدر قلق من إلغاء البطولة.!!-
أعتمت السماء، وبدأت الحشرات المضيئة بالطيران لتنير الملعب بأضوائها البديعة، ومع أنغام الموسيقى المعزوفة من مكان ما، ظهر الفريقان على حديد الفرن الكبير ليُعطي الحكم إشارة البداية.
- ضفدووووووع .. ضفدوع ..
كنت أصيح بفرحة كبيرة على مشاركة صديقي المفاجئة- إذ مرّ زمنٌ طويل على آخر لقاءٍ معه، والذي انتهى بنزاعٍ كبير على ملكيّة بسطة الليمون.!!
رغم معرفتي الدقيقة بكلّ تفاصيل حياته، فقد أدهشني ضفدوع -صراحة- بمستواه الفنّيّ الرائع، حيث أحدثت سرعته فارقاً كبيراً في تسجيل النقاط أمام بطء الحلزونات التي بالكاد استطاعت تسجيل أربع نقاط!!
- كيف وجدّت مفاجأتنا؟! -سألني كبيرُ الضفادع-
- ممتازة، لكن من أين اكتسب ضفدوع هذه المهارات المفاجئة؟!
- هاها .. لقد احترف في دوريّ كرة السلّة الشهير -إن بي آي مون- وذلك أثناء مهمته السريّة على كوكب القمر.! -ردّ كبير الضفادع مفتخراً بإكتشافهم-
- يا سلام، هذا تطورٌ شديد الأهميّة بحسب سلّم داروين!!
مضى الوقت سريعاً ونحن نتبادل أطراف الحديث، فلم ننتبه إلّا وقد عَلَت صيحاتُ استهجانٍ ظنّناها بداية بدافع التشجيع، لكنّ الظلام الدامس الذي خيَّم حولنا، ولم نعد نرى معه حتى أوجه اللاعبين جعلنا نتسائل عن الذي حدث.!!
- نيق .. نوق .. لماذا أوقفت المباراة؟!
- غير معقول .. نيق نيق!!
- الفوز للضفادييع .. نيق .. !!
كانت صيحات الجماهير قد تحوّلت لغضب عارمٍ معلنة الوصول لنقطة اللاعودة، أو اللاحل.!
- توووووووت .. -صفر الحكم معلناً نهاية المباراة بسرعة شديدة- وبالتالي فقد مُنيَ الفريق الضفدوعيّ بخسارة غير متوقعة رغم تقدمه بنتيجة كبيرة-
- ما هذا الظلم؟! - صحتُ بغضب في وجه الحكم-
- لا يمكننا إكمال المباراة دون أنوار، وقد تجاوزنا الوقت المسموح على التوقف! -أجابني الحكم بلا مبالاة-
- حسناً، وما ذنبنا نحن، أشعلوا الأضواء .. نحن الفائزون! -قال كبير الضفادع-
- نتأسف سيدي، لم يبق لدينا أي أنوار، ونظراً لمسؤوليتكم على اختفائها فأنتم من يجب أن تتحمّلوا المسؤولية!!
- مسؤولية ماذا؟! ولماذا نحن المسؤولون؟!
- ببساطة، إسألوا لاعبيكم: من أكل الحشرات المضيئة؟!!
أحمد هاجر- 10-8-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق