السفر إلى الموزمبيق



هل نسافر في العطلة؟!

ما إن انتهى اليوم الدراسيّ حتى خلت المدرسة سريعاً من طلّابها، فهم قد تواعدوا مسبقاً على الالتقاء في أحد المطاعم المشهورة، والاحتفال بهذه النعم الكبرى التي بدأت تتساقط شهباً عليهم.

الفرحة كانت بادية على الوجوه، والابتسامة مرسومة على الشفاه، وأينما نظرت ترى البشاشة في مُحيّا الجميع، مدرسين قبل الطلّاب! ولا عجب، فالعطلة قد فاقت النصف شهر، والاستعدادات لها قد اكتملت منذ أكثر من شهر.

بحسب معلوماتي الضئيلة، غداً صباحاً سيخفّ الازدحام في المدينة، وستخلو الطرقات من روادها، ويا هناها اسطنبول بزوارها. وحدها شركات الطيران ومكاتب السفر هي المستفيد الأكبر في هذه العطلة، فمن لم يحجز إلى تركيا، سال لعابه لزيارة الموزمبيق.!!

نعم، الموزمبيق .. لا تستغربوا، فمنذ عشرين يوماً يتصل بي صديق ليُقنعني بالذهاب معه إلى هذه الدولة الأفريقيّة التي تقع في جنوب شرق أفريقيا، فبحسب روايته أنّه قد تعرّف صدفة على الرئيس الموزمبيقي "موغابي" في زيارة سابقة لعاصمتها "مابوتو"، وقد دعاه حينها لشرب فنجان من القهوة في أحد المطاعم المطلّة على نهر الزامبيزي.!!

- زامبيزي!!!!! -قلت له صارخاً- إذا كنت تريد زيارة هذا النهر فلتذهب لشلّالات فيكتوريا في زيمبابوي، ربما هي أجمل!

- أنت مخطئ، هناك سدٌ جميل اسمه: "ّكاهورا باسا" وهو يُعتبر ثاني أكبر سدٍ في أفريقيا، لو فقط تأملت معي جماله وروعته!!! -قال لي صديقي-

- فعلاً، منظر البحيرات التي تخزّنها السدود رائعٌ جدّاً!!

- مهلا، الأروع هي حديقة "غورنغوسا" المحمية الطبيعيّة التي تستطيع أن تستكشف فيها الطيور وتراقبها، لو سرت في أرجائها أسابيع لما مللّت منها، ولعُدّت بكنزٍ كبيرٍ من الصور البديعة!! -حاول إقناعي مدغدغاً عشقي لالتقاط الصور-

- أووه .. أنا أعشق الطيور، أحبّ تصويرها!!

- إذاً .. هل أحجز لك معي؟!!! -سارع للردّ ظانّاً أنّه نجح باقناعي!

- لا .. لا .. شكراً، كان بودّي، لكنّ ..!! -أجبته بحزنٍ مكتوم-

- اسمع مني، هناك يومان سنقضيهما في أرخبيل "بازاروتو" الساحر، وسنتعلّم الغوص هناك، صدّقني هذه رحلة جميلة!

- فعلاً لا أستطيع!!

- انسى كلّ ما سبق، صدّقني ستُتاح لك فرصة مهمّة بالتقاط سيلفي مع الرئيس "موغابي"!!!

كاد أن يسيل لعابي لكلّ هذه الاغراءات، لولا أنّي تذكّرت الكمّ الكبير من الكتب الواجب قراءتها قبل امتحانات الفصل الأول في كليّة التربية، وقبلها عليّ تصليح تلك المسابقات المكدّسة أمامي، ومعها القيام بتحضير امتحانات الفصل الأول. غير أنّ أهمّها هو إنجاز البورتفوليو لتقديمه قريباً للجامعة. لذلك أصرّرت على اعتذاري من صديقي، علّ هذه العطلة تسمح لنا بالبدأ بالإنجازات -والتي من المؤكّد أن تنتهي العطلة دون تحقيق منها أيّ شيء- غير أنّ علينا المحاولة!!!

- وأخدنا العطلة ويا سلام، وباي للدرس يا حرام!!!

انتبهت من أفكاري على غناء مجموعة من الطلاب الفرحين، وهم يمشون متكاتفين بقرّب سيارتي المتوقفة في هذا الازدحام المروري الرهيب. كانت أصواتهم تعلو في نقاش جدّي يدور بينهم، حول أيّ الكلمات هي أبلغ:

أهي كلمات: "الله معك يا مدرستي، لح اشتقلك يا مدرستي" أم أنّها كلمات: "ما أحلى العطلة ما أحلاها، شو بحب أسرح بهواها" .. ‎ ويغلب على ظنّي وجود صعوبة كبيرة في الإجابة على‎ هذا السؤال، خاصّة وجود تنافس كبير مع أهزوجة هوارة العطلة التي ظلّت لسنوات طويلة هي الأبلغ في عصرنا:

- وهور يا بوالهوارة .. يا محلا العطلة وأسرارا
ببن اليوم بيمضى يوم .. شو كانت حلوة هالزيارة

رحت أردّد تلك الكلمات، وكلّي أمل بالوصول سريعاً إلى منزلي، لكنّ لم تلبث دقائق قليلة قبل أن يرنّ هاتفي، ويعلو فيه صوت أقرب للبكاء:

- ألو أحمد، لقد حدث منذ أسابيع انقلاباً عسكريّاً في الموزمبيق، وربما صديقي "موغابي" في السجن الآن ..
ما رأيك أن ترافقني إلى هاواي؟!

أحمد هاجر- 21-12-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق