كلية التربية - تصديق الكذبة

ما إن انطلقت أغنية" مصاري، مصاري" حتى دبّ الحماس بين زملاء الباص وبدأ التصفيق، ولم ينقصنا سوى الصفير والزغاريد، وصراحة لم أفهم هذا السلوك المفاجئ والعجيب، حيث عجزت على علمي كلّ مواد الديداكتيك، وعلم النفس على تفسير هذا السلوك! غير أنّي تذكرت قولاً قديماً لا أدري متى قرأته: "يستمتع الإنسان بالحاجة التي تنقصه"، وهم قد استمتعوا بسماع ما ينقصهم. 

لم تمضِ أكثر من ربع ساعة إلّا وصدّق الجميع الكذبة، إذ قرّروا -وعلى غير العادة- التوقف لتناول العشاء في أحد المطاعم الفخمة المتناثرة -كحبّات اللؤلؤ- على طريق عودتنا، بلّ سرعان ما تحوّل الاتفاق من تناول الفلافل الذي يعتبره الكثيرون بمثابة طعام الفقراء، إلى تناول الشاورما والطاووق الأغلى ثمناً، وعلى ما يبدو أنّ كلمات الأغنية قد أوجدت الأموال في جيوبهم بسحر ساحر، أو أنّ هذا الساحر قد سحر بصيرتهم، فتناسوا أنّهم قد استدانوا ليذهبوا في هذه الرحلة الممتعة إلى كليّة التربيّة العتيدة، ولست أدري إن ظنّوا أنّ إضراب الغد يعني حكماً أنّ قبض أجورهم قريبة.

دقائق مرّت على انتظار ما طلبوه من أطعمة، لينهمك الجميع في الأكل بشراهة، مثل جائع مضى عليه أسابيع في الصحراء. ثمّ من شدّة فرحهم اقترح البعض تحديد موعداٍ ثابتٍ كلّ أربعاء، يتوقفون عند هذا المطعم. حينها عَلَت الضحكات ممزوجة مع رائحة الثوم التي تنفذ سريعاً نحو الأفئدة لتخترقها كسهم يسرق الحياة. لتصرخ إحداهنّ:

- ماذا .. دعونا نقبض رواتبنا أولاً!!!

وهنا تذكّر الجميع مصيبتهم فجأة، لتبدأ الشكوى من ضيق الحال، والتذمّر من قلّة الأموال، فلم أجد خيراً من هذا المثال: "يسكر من زبيبة"

أحمد هاجر- 8-11-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق