جنى وصور الذكريات

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

في أواخر السنة الدراسيّة المنصرمة، وبعد حصولها على الصورة المدرسيّة التذكاريّة، قامت جنى من من مقعدها ونثرت أمامي ثماني صور فوتوغرافيّة تعود لها ولزميلاتها الجالسات أمامي في مراحل دراسيّة مختلفة، وراحت تحكي عن كلّ صورة: 

- "هذه صورة التقطت في صف الروضة الثانية، وهذه في الصف الأول، أما تلك في الصف الرابع، ...."

- "هذه أنا، وهذه ميساء، وهذه ..." 


- "هذه المعلمة هي ...، وهذه الصورة كنا في مدرسة ..."

هذا المشهد التتابعي لتطور مراحلهنّ العمريّة منذ الطفولة
كان كافياً لأنتبه على اثنتا عشرة سنة مرّت منذ دخولي الأول إلى الصف مدرساً ..
كانت مثل ضربة كفّ تُذكرني أنّ الحياة تمضي سريعاً ...
كانت كفيلة بعودة شريط ذكريات طفولتي، ومدرستي ...

"حين بكينا في اليوم الأول من المدرسة.
حين كنا صغاراً نهرع من مدرستنا خوفاً من الرصاص.
منظر معلمتنا الأولى وهي تعاملنا بحنو وحنان.
ذكرى الكثير من معلمينا الذين غيبهنّ الموت تاركين فينا أثراً طيباً.
مشهد الأمطار المتساقطة مع مواسم الامتحانات النصفيّة.
مشهد اصطفافنا الصباحي، جلوسنا في الحصص الدراسيّة، مشاغباتنا، ضحكاتنا ولهونا في المدرسة.
مشهد لباسنا، سرورنا، طريقة وقوفنا لأخذ صورتنا التذكاريّة السنويّة.
مشهد الأنشطة المدرسيّة المختلفة، والعديد من المشاهد التي تلاحقت في ذاكرتي، وأعادتني لأكثر من ثلاثين سنة مضت."

يومها اغرورقت عيناي بالدموع وأغلقت كتبي ودفاتري، وانطلقت خارج الصف ولم أستطع إكمال الحصة.

رغم قولي لاحقاً لهنّ "جنى هي الطالبة الوحيدة التي نجحت في دفعي للبكاء"، إلّا أنيّ دخلت بعدها في حالة نفسيّة مزعجة استمرت لفترة طويلاً، كانت خلالها تتلاحق في مخيلتي ذكريات الطفولة بشكل مستمر.

بالنسبة لمدرس، فإنّ من أكثر الأوقات جمالاً هو رؤية طلابه يكبرون، وربما تلك من الميزات التي يمتلكها معلمي المواد الاجتماعيّة -اللهم من يُريد- هو ملاحظة تطور الطلاب نظراً لاستمرار تعليمهم بمختلف الصفوف.

بالنسبة للجيل الذي تعود له جنى، بالتأكيد أنّ النسيان سيطويني لدى الكثير من أفراده، وقد لا أكون أفضل معلم درّسهنّ أو سيُدرسهنّ ...
لكنهنّ بالتأكيد هم أحبّ الأجيال التي درستها!!
وكثيراً ما كنت أسأل نفسي: "لماذا؟!!"

منذ أسابيع فقط انتبهت للجواب الذي يتألف من شقّين:

- كثيراً ما أتعامل مع الطلاب وفق توسّمي المستقبلي لهم، ومع مرور الأعوام أُسرُّ إن صدق توسمي، وصدقاً إنّه الجيل الذي أتفاؤل به كثيراً، وأعتبره من أميّز ما درست، وأرى للكثير من أفراده مستقبلاً مشرقاً ...

- النقطة الأهم هو أنّي بدأت تعليم هذا الجيل حين ولدت ابنتي. لقد رأيتها تكبر معهنّ على مدى ثلاث سنوات، فأصبحت أرى فيهنّ جزءً من مستقبلها. وأعترف أنّي خلال هذه السنوات أصبحت أكثر إنصاتاً، أكثر إنسانيّة، وأكثر اندفاعاً في العمل.

وأخيراً إنّه الجيل الوحيد الذي تجرأت أنّ أجيبه:
"ما يهمني أنّ تترحموا علي بعد موتي".

أحمد هاجر- ٢٠ تموز ٢٠١٦
-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-.-

كتبت هذا المقال منذ أشهر عدّة، وما دفعني لنشره اليوم هي زيارة قامت بها جنى وزميلاتها مريم، ميساء وتهاني إلى المدرسة.
سرّرت جداً بهذه الزيارة، وإنّ شاء الله نسمع دوماً أخباركم التي يملؤها التوفيق والنجاح 
👍

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق