مستعمرة الطحالب


انحسر البحر فبانت قيعانه، وظهرت حجارته بديعة بما تكفّلت به ذرات المياه من نحت وتعرية؛ وما زاد من سحرها هو هذا اللون الاخضر الذي اكتست به.

للوهلة الأولى ظننّت نفسي أتقدم على دروب جزيرة عشبيّة ظهرت حديثاً، بغية استكشافها والبحث عن مكامن الجمال فيها، لكنّ آمالي خابت حين لم أجد شيئاً غير الطحالب. وشتّان بين العشب والطحلب!!!! فهما وإن تشابهت ألوانهما، فهذا الأخير لا يرقى لمنزلة النبات لاعتبارات عديدة.!!

- أنت أيّها الطحلب الأخضر، ما الذي أتى بك إلى هنا؟! أليس مكانك مغموراً في المياه؟! -سألت بانزعاج-

- هييه، مع من تتكلم أنت؟! -أجابني طحلوب صغير-

دققت حولي لأعرف مصدر الصوت، فهالني أنّي أتواجد داخل مستعمرة من الطحالب، والتي تجمّعت خلاياها على شكل خيوط تداخلت، وانتشرت لتغزوا حجارة ما لها للاعتراض سبيل.

- يا إلهي .. كل هذه الطحالب تنتشر هنا!!! -صرخت بصوت عال-

- هييه .. اسمع، أنا أعيش أينما أريد، لذلك تراني في أماكن كثيرة، المهم أن تكون ظروف حياتي متواجدة فقط!!

- نعم .. نعم .. وما هي هذه الظروف يا حبيبي؟!!

- الماء، ثم بحسب مكان تواجدي، ودرجة تعرضي لأشعة الشمس يتغيّر لوني!! -أجابني طحلوب آخر-

- يتغير لونك كالحرباء إذاً .. يا لك من محتال صغير، إنّ لونك الأخضر يدلّ على أنك شديد التعرض للتمثيل الضوئي!!

- مهلاً، لا تمزح معي، أنا كائن مسكين، أحاديّ الخليّة، التزم ببعض الجديّة، فإنّي سريع البكاء. !! -أجابني أحد الطحالب بفظاظة-

- عفواً ... !!!

بعد تأنيب الطحلوب لي، بدوت كأحمق. إذ أنّني أعرف مسبقاً بوجود أكثر من عشرين ألف نوع من الطحالب، مختلفة الألوان، وتتنوع الأماكن التي تعيش ضمنها.

- الخطأ، خطأي أنا -قلت لنفسي- فعلاً هي مزحة سمذجة، ثمّ ما كان ينبغي لي أن أسترسل بالكلام مع الطحالب!!!

- صحيح، من تدخل في ما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه!! -تفصّح أحد الطحالب-

- لكن .. لكن .. هل تعتبر أنّ تكاثرك على هذه الصخور هو أمرٌ جيد؟! -عدت لحماقتي في سؤال معشر الطحالب!!!

- أكيد .. وجداً جيد!!!!

- لكن، بحسب ما أعرف، أنّ تكاثركم يؤدي مع الوقت لمنع أشعة الشمس من الوصول إلى عمق الماء، وفقدان الأوكسجين منه.!!

- اسمع، منذ القديم والناس تستفيد منّا عبر صناعة الأدوية، ثمّ ..

- نعم، إذاً تريد أن تُسكتني باستفادة البشر منكم!!! -قاطعت الطحلب باستهزاء-

- كلا أيّها المغفل، لكنّي أبرهن لك أنّ تكاثرنا هو أمرٌ جيد لكم!! .. مثلاً، ألم تسمع بالخبز المُضاف إليه بعض الطحالب والأعشاب البحريّة؟!!

- أحياناً ألاحظ بعض الناس يحملونه في السوبرماركت!! ولما سألت عن استعماله، قيل أنّه للريجيم!!

- أحسنت، كلّ ما عليك هو سؤال النساء، وهنّ سيتكفّلنّ بشرحٍ وافٍ عن فوائد الطحالب البحريّة!!!!!

أحمد هاجر- ٢٠١٧/٢/٢٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق