ما إن وطئت أقدامنا خارج المنزل، حتى بدأت أسناننا تصطكّ ببعضها البعض مُحدثةً دوياً خِلتُ أنّ صوته يصلُ لأمتارٍ بعيدة عني. لففّت وجهي بشالٍ صوفيّ تاركاً عيناي تظهران من بين فتحة صغيرة منه، علني أستشعر قليلاً من الدفء. لكنّي لم أحصل غير قشعريرة شديدة سرت بين أوصالي فكادت تقطّعها وتمزّقها إرباً إربا.
إنه الأول من شهر شباط، موعد بدء ما تعرفه العرب بإسم "سعد الدابح"!!
وهو بالطبع ليس دابحاً للناس، ولا جزاراً يعتاش من تقطيع اللحوم، وبالتأكيد ليس إرهابياً يخوّف البشر.
بل إن سعد هذا هو لقب لأولى فترات السعود، التي تمتدّ لخمسين يومٍ قادمة؛ والدابح هنا هو البرد القارس الذي يتغلغل في الأحشاء والأضلع، وينتشر في الأعضاء فيموت من يموت من شدّته، ويعيش من له نصيب قادم في هذه الدنيا الفانيّة.
- الأرض باردة، الهواء بارد، الصقيع بارد، حتى الثلج بارد ..
-راح صوت المذيع يعلو من إحدى محطات الراديو-
- ومتى كان الصقيع ساخناً؟!!! -سألته بصوت عالٍ-
كنت قد جلست في سيارتي، أنتظر أن يملئها دفء الشوفاج، ورغم أنّ سؤالي أتى بدافع الاستغراب والذي لا أتوقع رداً من المذيع بالطبع. إلا وكأنّه قد سمعني، إذ أردف قائلاً بنبرة مستهزئة على نفسه:
- لا بُدْ أنّكم تسألون متى يسخن الصقيع؟!
طبعاً حين نضعه على الغاز!!!!
- حسناً، شكراً لك، سأجرّب ذلك حال عودتي إلى المنزل. -قلت مكملاً سخريّته-
أكملت قطع الطريق الطويل، متمنياً وصولي للعمل فأجد بابه موصداً بقفل كبير، وقد تراكمت المياه عليه وتجمدّت، فأحضروا فأساً كبيرة ليكسروه، فكسرت صلابته الفأس.
وبينما هم يفكرون بحلّ مناسب، أصل أنا فأقترح استخدام تقنية المذيع الجهبذ -الصقيع الساخن- لكنّهم حين يهرعون لجلب قنينة الغاز، يجدونها فارغة!!!
كما الأشياء تتجمد، فإنّ الأمنيات تتجمد أيضاً -رغم أنّها غير محسوسة- ولذلك يُقال أنّ أمنيات الشتاء لا تتحقّق، عكس حالها في فصل الصيف إذ تتكفّل الحرارة بتذويب جليدها ..
- إذاً، ما لنا الآن ولهذه الأمنيات، دعها مجمدة!!! -قلت لنفسي بحسرة شديدة-
ولما كنت مستغرقاً بأمنياتي، لم أنتبه إلّا وأنا أركن السيارة. وما إن نزلت منها حتى لقيت جمهرة من الناس متجمعين أمام باب العمل المغلق.
- ما الذي حصل؟!
- لماذا أنتم واقفون هنا؟!!
- خيراً إن شاء الله!!!
- رحت أسأل الناس والحيرة بادية على وجهي- وإذ بالجواب الجميل يرن في أذني:
- المفتاح ضائع ....
أحمد هاجر-1-2-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق