هذه عاصفة باردة أتتنا في نهاية كانون، فهبّ الناس يستدفئون قرب كوانينهم، لكنّي وجدّتها فرصة لأختبر قوّة الطبيعة، وبديع عتوّها.
بينما كنت أسير بطيئاً في سيارتي أستمتع بصوت طرقات البرَد يتساقط قوياً، سريعاً، يكاد يُهشّم زجاجها الأمامي، انتبهت إلى قُربي من مياه البحر الهائج بأمواجه المتلاطمة، الهاربة من الرياح العاتية.
ركنت السيارة جانباً، ورحت أمشي وحيداً أتفكر في هذا المشهد المترامي أمامي: مساحاتٌ واسعةٌ من المياه، تحتضن في البعيد تلك الغيوم المثقلة بالأمطار، والتي من شدّة نوئها راحت تنثر ما فيها فوق الأرض، وغايتها ريّ الزرع، -لا شكّ في ذلك- فهي النبيلة صاحبة العطاء الغزير.
ربما من سوء الحظّ، أن تكون درجات الحرارة هذا الصباح قد تدنّت لتُقارب الصفر، فما كان من ذرات المطر إلّا أن تحوّلت حبات برَد مختلفة الأحجام. وما لبث وجهي المكشوف أن أصبح فريسة سهلة لتلك الحبيبات، فما كان من حالي سوى صراخٌ متقطّع من وقع الألم.
- إنّه ضربٌ من الجنون يا هذا، تنح جانباً!!!
-صاح بي رجلٌ من سيارته، وقد غلب على ظنّه فقداني لعقلي، إذ ربما اعتبرني كمن يتألم من ضربات كفّ غير مرئيّة-!!
أكملت مسيري دون أن أعره اهتماماً، وقد قرّرت التوقف عند بائع القهوة الذي يبعد عني مسافة تُقارب الألف متر!!!
مع شدّة الهطول وغلبة الألم، بدأت المياه تتسلّل بين ثيابي، فإذ بسيري يتحوّل إلى هرولة، وقد انتاب سروري شيءٌ من الخوف، والقلق من احتمال إصابتي بمرضٍ جراء هذا البرد الشديد!!
واصلت بعناءٍ، وجهدٍ وتعب حتى وصلت إلى أبي علي، بائع القهوة الذي ما لبث أن صاح بي مؤنباً فور رؤيتي:
- يا ولد، هل أنت مضطّر لفنجان القهوة هذا اليوم؟!
- بل، أنا مضطّر لقولي لك صباح الخير!! -رددت عليه-
- أي صباح هذا؟!! من يخرج من منزله هذا الصباح إلّا إذا كان مجنوناً؟!
-يا أبا علي، لولا المجانين من سيشتري منك اليوم؟!!
- همم ... حبذا لو كنتم مجانين عدّة إذاً!!!
- حسناً، والآن هل ستناولني قهوتي، أم أعود أدراجي، وتظلّ تنتظر مجنوناً آخر؟! -بادرته بالقول، لئلّا ينتقل معي لحديث جديد-
- ثوانٍ .. !!!
تركته يُعدّ ما أسماه أحلى فنجان قهوة -إذ كنت أعرف مسبقاً أنّ ثوانيه لا تقلّ عن الخمس دقائق- لذلك حوّلت نظري نحو البحر، أرقب النورس يُصارع الريح وهي ترمي به أمتاراً بعيدة دون رحمة منها.
- متى كانت الريح صاحبة شفقة؟!! أليست تقتلع الأشياء وتلقي بها قاتلة بعض الناس؟! -بدأت أفكارٌ جديدة تتسارع في ذهني- لكن ما إن بدأت أستسلم لتلك الأفكار، حتى وجدت نفسي أصيح راقصاً:
- ثلج، ثلج .. ثلجٌ ثلج .. !!!
- مالك يا هذا، هل أصابتك حُمّى البرد؟!!! -هرع أبو علي ليطمئنّ علي-
- كلّا، كلّا، أنظر حوالك، ما يتساقط علينا هو ثلجٌ وليس مطراً، أو برَد!!!
- ف..ع..ل..ا..ن -راح أبو علي يتمتم ببطئ وذهول-
- إفرح .. إفرح، ستحكي كيف رأيت الثلج يتساقط على شاطئ البحر!!
- أنظر هناك، لقد تغطت قمة تربل بالثلوج، ما هذا الجمال؟!!!! -قال أبو علي مشيراً نحو الجبال، وقد نسي نفسه باندهاش عجيب-
- أوووه ... انتبه، لقد سكبت القهوة عليّ ...
... أباااا علي !!!!!!!!!!
أحمد هاجر- ٢٨-١-٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق