كنت أجلس بهدوء في أحد مطاعم العاصمة، أتناول بضع لقيمات قبل بدء يومي الجامعيّ، وكان جميع من حولي يأكلون مع هواتفهم بلذّة عجيبة، بل لقد ظننت أنّ كمية الطعام المرصوفة أمامهم هي تعود فقط ل"بو" تلك الشخصية الكرتونية التي يقوم الناس بتربيتها كحيوان الكترونيّ أليف.
وحده ذلك العمّ العجوز، ذو الشعر الأبيض، والكنزة الصوفيّة ذات اللون السكريّ كان يجلس خلفي بهدوء وتؤدة يتأمل أوجه الناس وحركاتهم، قبل أن يبادر لانتزاع هاتف قديم من جيبه الخلفي، ويبدأ باستعماله شأن كل المتواجدين في المطعم. ونظراً لقدم جواله، والذي نطلق عليه "أبو لمبة" فأوكّد أنّ سلوكه كان فقط لأجل التماهي مع هذا المحيط الكبير من البشر حولنا، ورغبته بالتالي بالتخلّص من شعوره بالدونية بينهم.
فجأة، يسحب شخص ما، ذلك الكرسيّ على الطاولة التي أمامي، ثم يلقي بنفسه عليه محدثاً دويّاً هائلاً من ثقل جسمه. حرّك رأسه يمنة ويسرة، فتحرّك معه شعره المجدول، والمعقود برباط أسود، قبل أن يجول بعينيه القابعتان خلف نظاراته السميكة ليتأمل مشهد الناس الجالسين حواليه.
لم تمرّ سوى هنيهات ضئيلة، إلّا وكانت الأطباق التي طلبها مرصوفة أمامه. تأملها للحظات قبل أن يبدأ بترتيبها بعناية فائفة، بادئاً برشفات قليلة من البيبسي، وضع الخبز على يساره، الطاووق المشويّ أمامه، وصحن البطاطا المقلية بجانبه، صحن التوم والمخللات إلى يمينه.
الآن وقد اكتملت عناصر المشهد، أصبح بإمكانه أخد صورة السيلفي التذكاريّة لهذا الإنجاز العظيم، ثمّ تحميلها على تطبيقات فيسبوك، أنستغرام، سناب شات، واتس أب، والاستمتاع بمتابعة تعليقات أصدقائه، أثناء تناوله الطعام -الذي لا يُحس بطعمه- بابتسامة خافتة.
ضحكت بيني وبين نفسي، وشرعت أكتب تلك الحادثة، قبل أن أنتبه إلى أمر هام: "أليس هذا ما نقوم به جميعاً في مثل هذه الحالات؟!"
لكن، مهلاً! يبدو أنّ صاحبنا قد نسي أمراً هاماً: سلامة هاتفه من الأولويّات، لذلك ها هو يفرد محرمة كبيرة بعناية فائقة، وليُخصّصها فقط لهاتفه المُشبع بلطخات من الزيت والثوم، وطبعاً هدف السلوك هو "النظافة"!!!
أحمد هاجر- 30-10-2017
وحده ذلك العمّ العجوز، ذو الشعر الأبيض، والكنزة الصوفيّة ذات اللون السكريّ كان يجلس خلفي بهدوء وتؤدة يتأمل أوجه الناس وحركاتهم، قبل أن يبادر لانتزاع هاتف قديم من جيبه الخلفي، ويبدأ باستعماله شأن كل المتواجدين في المطعم. ونظراً لقدم جواله، والذي نطلق عليه "أبو لمبة" فأوكّد أنّ سلوكه كان فقط لأجل التماهي مع هذا المحيط الكبير من البشر حولنا، ورغبته بالتالي بالتخلّص من شعوره بالدونية بينهم.
فجأة، يسحب شخص ما، ذلك الكرسيّ على الطاولة التي أمامي، ثم يلقي بنفسه عليه محدثاً دويّاً هائلاً من ثقل جسمه. حرّك رأسه يمنة ويسرة، فتحرّك معه شعره المجدول، والمعقود برباط أسود، قبل أن يجول بعينيه القابعتان خلف نظاراته السميكة ليتأمل مشهد الناس الجالسين حواليه.
لم تمرّ سوى هنيهات ضئيلة، إلّا وكانت الأطباق التي طلبها مرصوفة أمامه. تأملها للحظات قبل أن يبدأ بترتيبها بعناية فائفة، بادئاً برشفات قليلة من البيبسي، وضع الخبز على يساره، الطاووق المشويّ أمامه، وصحن البطاطا المقلية بجانبه، صحن التوم والمخللات إلى يمينه.
الآن وقد اكتملت عناصر المشهد، أصبح بإمكانه أخد صورة السيلفي التذكاريّة لهذا الإنجاز العظيم، ثمّ تحميلها على تطبيقات فيسبوك، أنستغرام، سناب شات، واتس أب، والاستمتاع بمتابعة تعليقات أصدقائه، أثناء تناوله الطعام -الذي لا يُحس بطعمه- بابتسامة خافتة.
ضحكت بيني وبين نفسي، وشرعت أكتب تلك الحادثة، قبل أن أنتبه إلى أمر هام: "أليس هذا ما نقوم به جميعاً في مثل هذه الحالات؟!"
لكن، مهلاً! يبدو أنّ صاحبنا قد نسي أمراً هاماً: سلامة هاتفه من الأولويّات، لذلك ها هو يفرد محرمة كبيرة بعناية فائقة، وليُخصّصها فقط لهاتفه المُشبع بلطخات من الزيت والثوم، وطبعاً هدف السلوك هو "النظافة"!!!
أحمد هاجر- 30-10-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق