الجابي الذي رأني شبحاً


- ررررررررررررررررن ....

راح جرس الباب يعلو بإلحاح شديد، بينما كنت أغطّ في نوم شديد. وبعد وقت ليس بقليل، سمعته أخيراً فهببت واقفاً مسرعاً، لأتفقد هذا المزعج الذي أيقظني من غفوتي.

أنهيت اليوم دوامي المدرسيّ، وعدت متعباً للمنزل لأتكأ على تلك الكنبة الأرجوانيّة الصغيرة الموضوعة في الجانب الأيمن لغرفة الجلوس، لكنّي سرعان ما دبّ الاسترخاء إلى عروقي وغبت عن هذه الدنيا في نوم عميق. ولست أدري إن بقيت على هذه الحالة ساعتين أو ثلاث، لكنّ لولا هذا المزعج الذي يبدو أنّه انتبه لسيّارتي أسفل المنزل فأصرّ على أن أفتح له الباب، لربما كان نومي سينسحب لأسبوع قادم.!

- من الذي يقف بالباب؟! -سألته أولاً-

- جابي الاشتراك الكهربائيّ -أجابني والفرحة باديَت في نبرة صوته-

- أهلاً وسهلاً، لحظات لآتي لك بالمال -طلبت منه إمهالي بعض الوقت-

- يبدو أنّ السمّان، واللّحام، وبائع الخضار، والصيدلي، .. قد أخبراه عن حنان كليّة التربيّة المفرط، وأنّها تكرّمت علينا بالافراج عن رواتبنا أخيراً بعد أربعة أشهر، وها هو يريد أن يقبض فواتيره الآن.!! -كنت أقول لنفسي وأنا أبحث عن محفظتي التي لم أجدها مكانها-

- يا الله، أذكر أنّي تركتها في الجيب الداخليّ لمعطفي، أين هي إذاً؟!

على الطاولة، تحت الكتب، فوق الكرسيّ، على الكنبة، في المطبخ، لم أترك مكاناً إلّا وبحثت عليها فيه، قبل أن أجدها في البراد دون أن أدري كيف وصلت لداخل كيس من الفواكه الطازجة.!

- وأخيراً .. -تنفست الصعداء- وأنا أعدّ النقود وأحملها إلى الجابي الذي وجدته ينتظرني وهو يُدندن لحناً فرحاً، قطعه ليقول لي وأنا أفتح الباب له:

- يا أستاذ، لم تُعذبني؟! -لكنّه لم يُكمل كلامه، إذ ما إن بدوت أمامه حتى علا صراخه، كمن رأى جنيّاً أمامه-

- آآآآآآآآآآ ... من أنت؟!!! -قفز فزعاً، ليرجع للخلف خطوات عديدة ليصطدم في الحائط الذي لو كان يقدِر على خرقه لفعل-

- تفضل .. هذا هو المبلغ، شكراً لك وعذراً على التأخير! -أعطيته ماله وأنا لا أفهم لم صرخ، ولا لم فزع، ولا لم قفز للوراء-

- ربما هو يمزح معي، يا له من إنسان أحمق -قلت لنفسي-

بعد دقيقتي صمت كان يترقّبني خلالها ويتأملني بخوف، مدّ يده أخيراً ليأخذ مني المال ويعطيني الإيصال بحذر شديد، قبل أن يُسرع مولّياً الخطى دون أن ينبسّ بأيّة كلمة.

أغلقت الباب ودخلت لأتفاجأ بشخص أسود الوجه يظهر أمامي في المرٱة!!!

- ما هذا، من الذي فعل بي هذا؟!
-صرخت بصوت عالٍ، وقد انتقل الفزع إليّ أنا هذه المرّة.!!
إذ أنّي رأيّت وجهاً يُشبه وجهي وقد لُوّن بكامله باللون الأسود، فلم تبدُ سوى عيناي تُضيئان ظلاماً حالكاً!

- هل تريد أن أمسح لك التلوين؟! -قالت ابنتي الصغيرة التي انتهزت فرصة نومي لتحوّل وجهي لدفتر تتعلّم عليه الألوان والأشكال-

أحمد هاجر- 25-11-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق