بين الصورة والواقع، رسم




منذ ثلاث سنين مضت، وتحديداً في شهر آب توجهنا مع طلابنا لإقامة مخيّمنا الأول، والذي كانت فكرته آنذاك مبتكرة ضمن المحيط الذي نعيش فيه، وهي أتت بعد أسابيع من الاخفاقات والطرائف المضحكة.

قفز لذاكرتي ذلك الكمّ الكبير من العبارات السلبيّة التي سمعناها آنذاك، ولا تزال عبارة منها "أيّها المجانين، أتتوجهون مع فتيان للمبيت في غابة لا نعرف ما فيها، ولا ما هي مخاطرها؟!" راسخة في ذهني إلى اليوم، وأسترجعها في كلّ مرّة أقصد غابة العزر أو أسمع باسمها فقط. لكن، والحقّ يُقال لولا توفيق الله أولاً، ومساعدة زملائنا من أهل فنيدق الكرام لنا، ودعم بعض الأفاضل الذين آمنوا بأهميّة فكّر، لما انطلقنا في رحلتنا الجميلة هذه، والتي بلغت عامها الرابع.

على كتف إحدى مجاري السيول الشتويّة، وجدنا أرضاً مسطّحة تسمح لنا بنصب خيامنا، ووضع سائر أغراضنا لتبدأ قصة النشاطات، والرحلات، والورش التدريبيّة، والتأملّات المسائيّة عبر النظر لتلك النجوم التي تُضيء ظلمة الليل، وهي سرعان ما تتوقّف مع بداية سهرات النار البديعة، والتي يزيد من جمالها تناول البطاطا والذرة المشويّة، أو شرب كوباً من الشاي المغليّ بهدوء على جمر مشتعل، كانت نيرانه تُوقد ليلاً بغرض التدفئة وإبعاد الهوام من الكائنات.

في صباح اليوم الأخير، وحين خلا المخيّم من الجميع، كانت أشعة الشمس قد بدأت تميل لتصبح حارقة، فما كان لديّ خيار سوى الجلوس وحيداً تحت الظلال الوارفة التي سمحت بها تلك الشجيرات الشاهقة. ومع هبوب بعض النسيمات المنعشة التي عبقت في المكان، حاملة معها رائحة الأوراق المبعثرة، وأصوات السناجب التي تُسرع بحركتها للابتعاد عنّا. تناهى إلى سمعي قفزة سنّور صغير تبعها مباشرة أصوات الغربان تقطع لحظات الهدوء التي كنت أعيشها في خضمّ هذا الجوّ البديع. ومع ذلك فقد كان ذلك من أجمل السيمفونيّات المؤثّرة التي سمعتها إلى اليوم.

سريعاً، تُهت في قراءة بعض الكلمات، وتقليب بعض الصفحات، ومراجعة بعض الأمور قبل عودة الجميع من المسابقة الكبرى، وقد أنهوا حلّ ألغازها التي يتجاوزها مباشرة الفريق الذي يستطيع التقاط صورة لسنجاب صغير، وهو شرط شبه مستحيل نظراً لصعوبة ملاحظته وتماهيه مع أوراق الأشجار البنيّة المتناثرة على الأرض.

لست أدري مدّة مكوثي على هذه الحالة، ولا متى التُقطت صورتي هذه بين أحضان الطبيعة، فلقد كنت أتمنى توقّف الزمن طويلاً لإيماني أنّ للطبيعة عذوبة وسحراً لا يُضاهيه إلّا سحر الطبيعة!. لكنّي أدري الآن جيّداً، أنّ فكّر هو إحدى قصص النجاح الرائعة، والتي أعطتنا وما تزال الكثير من الدروس والعِبر، إذ أنّه بصمة فِكرة مضيئة، نأمل أن تكون صادقة، هادفة ومُؤثّرة.

شكراً لك صغيرتي جنى على هذه الهديّة الرائعة، إذ أنّ رسمك قد أيقظ الحنين الدائم لأيام "فكّر" ومخيّماتها المتجدّدة، وكمّ كان اختيارك رائعاً لتلك الصورة التي تحمل الكثير من الذكريات العزيزة والجميلة.

أحمد هاجر- 3-11-2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق